د.عمر عبدالكافي: أمتنا تمرض..لكن لا تموت..والاسلام قادم
المجتمع / الحوار مع داعية ومفكر إسلامي مثل الدكتور عمر عبدالكافي مدير مركز الدراسات القرآنية بجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، وعضو هيئة الحكماء بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عضو المجمع الفقهي بالهند، يكتسب أهمية كبرى في هذا التوقيت الذي تمر به الأمة من ضعف، وقد جاء حوار المجتمع معه شاملاً لكافة الأحداث .. وإليكم ما دار في هذا الحوار:
كيف ترى واقع العمل الدعوي في الأمة الإسلامية في ظل الظروف الدولية والإقليمية؟!
أستطيع القول إن الصورة أصحبت واضحة جلية أمام العوام والخواص في العالم أجمع، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر عما كانت في القرن الماضي وبخاصة في فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، ذلك أن أحداث 11سبتمبر تمثل عام الفيل بالنسبة لأمريكا، وأصبح الأمر إما مسلم يدافع عن عقيدته وإسلامه، وإما معادٍ للإسلام وهم صنفان: إما من غير المسلمين أو من الطابور الخامس الموجود في صفوفنا.. وكما يقال: "رب ضارة نافعة"، فأحداث 11 سبتمبر وما تبعها من هجوم وإساءة للإسلام وتضييق على المسلمين، كل ذلك أسباب أيقظت حس الأمة، وأكدت للذين لا يحبون دين الله الإسلام ويكرهون فكرة وجوده على الساحة، أن وجوده مازال قوياً رغم كل ما يحاك ضده.
ما تقييمكم للخطاب الدعوي الإسلامي المعاصر؟ وما أهم شروط وضوابط الداعية الناجح؟
أرى أن الخطاب الإسلامي المعاصر أكثر وعياً من العقود الثلاثة الماضية، فأصبح الدعاة الربانيون لديهم إدراك تام لحقيقة الوضع العالمي والإقليمي. والدعاة في الأمة على نوعين: داعية عامل، و"عامل" داعية، وبين التقسيمين يندرج جميع الدعاة الموجودين على الساحة. فحمل هم الدين ليس عند الكثرة الكثيرة من الدعاة، وإنما عند الدعاة الذين غُرست محبة الدعوة إلى الله في قلوبهم وارتبطت بهم الجماهير المسلمة. أما الذين يتاجرون بالدعوة ويسترزقون من ورائها.. هؤلاء بضاعتهم مردودة إليهم ولن تدوم طويلاً، لأنهم فقدوا الصدق والإخلاص في دعوتهم.
التضييق على الدعاة
باعتباركم من الدعاة الذين عانوا من التضييق عليهم إلى حد الهجرة من بلدكم إلى دولة أخرى، فبم تقيمون ممارسات التضييق المستمرة على بعض الدعاة واستدعاء أجهزة الأمن لهم عندما يتناولون في خطبهم ودروسهم أمراً يتعلق بالسياسة؟
أولاً: العداء أو الصدام بين الأجهزة الأمنية والرسمية في الدول الإسلامية وبين الدعاة أمر مرفوض ويجب ألا يحدث لأننا جميعاً في سفينة واحدة، ومن الواجب على الجهات الحكومية أو الرسمية أن تستوعب وتحتضن الدعاة المخلصين وهم كثيرون في الدول الإسلامية باستخدام دعوتهم الوسطية لإيجاد بعد أمني واجتماعي في هذه الدول وللمحافظة على أمنها واستقرارها. ومعاداة الدعاة الذين ارتبطت بهم الجماهير وتأثروا بهم ليس من المصلحة في شيء، لأن هذه التصرفات تجعل جماهير المسلمين تسخط على الأنظمة الرسمية التي تحارب الدعاة، لأنهم يرون أنهم بهذا التضييق يحاربون دين الله تعالى، لذلك أدعو بهدوء كل القوى الحاكمة في العالم العربي والإسلامي إلى احتضان الدعاة، وأن تفتح أمامهم آفاق الدعوة وألا تضيق عليهم وأن يستثمروا دورهم وتأثيرهم على الجماهير لتحقيق مصلحة أمن البلاد والوطن، فالدعاة ورجال الأمن هم أداة بناء وتقدم.
حديث الاصلاح
الحديث عن الإصلاح هو قضية القضايا في معظم الدول العربية والإسلامية في السنوات القليلة الماضية، وأصبحت معظم الدول العربية تتبارى في تحقيق إصلاحات دستورية وتشريعية وغيرها تنفيذاً لتوجهات غربية، فكيف ترى أبعاد هذه القضية في هذا التوقيت تحديداً؟
الإصلاح أمر طيب يؤيده الإسلام ويدعو إليه.. ولكني أؤكد أننا أمة لا يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها، وهو الكتاب والسنة، فالأمة مهزومة منذ قرون، أما آن لنا كعقلاء ومفكرين أن نبحث عن سبب نكبة وتخلف الأمة وتراجعها عن الركب العلمي والحضاري، وأن نبحث عن أسباب نهضتها!! ونضع دراسة جدوى ليس لجيلنا فقط، وإنما للأجيال القادمة؟! ولماذا لا نُعد خطة خمسينية وليس خطة خمسية أو عشرية للنهوض بالأمة، وإصلاح أمرها، ولا ننتظر من يفرض علينا الإصلاح من الخارج؟
وضع هذه الاستراتيجية الخمسينية مسؤولية من؟
هذه الخطط يضعها أهل الحل والعقد والمفكرون والعقلاء الذين يغارون على أمتهم ويحبون دولهم وأوطانهم، وهم كثيرون في العالم الإسلامي، ومطلوب فقط إعطاؤهم الإمكانيات والصلاحيات لتنفيذ هذه الخطة التي لا تصبح حبراً على ورق، أو توصيات لا تنفذ!!
الرد على العلمانيين
كيف ترى أسلوب التعامل الأمثل مع فكر العلمانيين الذين لا يملون من الدعوة إلى فصل الدين عن حياتنا؟
مثل هذه الدعوات العلمانية تمثل فهماً قاصراً للدين، فالدين الإسلامي هو الذي يضبط وينظم حياتنا في كل المجالات، وليس في المسجد كما يقولون، وما يردده العلمانيون في الشرق هو ما قالته العلمانية الأوروبية التي فصلت الدين عن الدولة.. وأحب أن أطمئن جماهير المسلمين أن تيار العلمانية في دولنا الإسلامية هو تيار ضعيف جداً، وهم مفضوحون أمام الناس لأن أي إنسان ينفلت عن دينه لا نجد من يثق فيه أو يأخذ عنه، فأفكار العلمانيين هي أفكار تؤخر الأمة ولا تقدمها.
التشكيك في القرآن
ما رؤيتكم لحملات الهجوم على القرآن والتشكيك في نصه وهناك موقع على الإنترنت يبث ما يسمى "بالفرقان" يكتب على نسق القرآن ولكنه ليس بقرآن؟.. فكيف ترى خطورة ذلك..؟ وما واجب المؤسسات الإسلامية للتصدي لهذه الهجمات؟!
ما حارب أحد أو وقف في وجه كتاب الله يريد أن ينال منه إلا وكانت الهزيمة من نصيبه بشكل عاجل، لأن القرآن الكريم محفوظ من الله عز وجل لقوله تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9) (الحجر)، فلو اجتمعت البشرية كلها على هدم كلمة أو حرف واحد فيه لن يستطيعوا المساس به، ويجب أن نطمئن لهذا تماماً، أما نحن فإننا مقصرون تجاه كتاب الله تعالى فلم نطبقه في واقع حياتنا، ونحن الذين تركنا هؤلاء يتجرؤون على كتاب الله ويفعلون بنا الأفاعيل!! وأحب أن أقول: إن من واجبنا أن نشغل أنفسنا ببيان عظمة ما في أيدينا وهو القرآن الكريم، لأنه أمر عظيم وكما يقول الشيخ الغزالي يرحمه الله: "إن الإسلام بضاعة ثمينة تريد تاجراً شاطراً لعرضها". والحقيقة أن عدم وجود التاجر الشاطر هو الذي يسيء إلى ما في أيدينا من قيمة أوجدها الله تعالى لنا وفضلنا على بقية خلقه بنزول القرآن علينا.
الاساءة للاسلام والهزيمة النفسية
كما تعلمون ويعلم الجميع أن الإسلام يواجه حرباً شرسة في الغرب وشوهت صورته، وكثرت الشبهات ضده.. فضلاً عن سوء معاملة المسلمين في البلاد الغربية وإهانتهم.. مما خلق شعوراً عاماً بالهزيمة النفسية لدى جماهير المسلمين..؟
هذا الهجوم الكبير على الإسلام والمسلمين في الغرب وخلق الذرائع والشبهات حوله يؤكد أن جسد الإسلام والأمة الإسلامية مازال حياً، ولو أن الأمة ميتة، ما ضربها أو هاجمها أحد، كما أن العداء والهجوم على الإسلام وتشويه صورته هو أمر طبيعي منذ نزول "اقرأ"، وحتى تقوم الساعة، ولنعلم أنه إذا لم يحدث عداء أو هجوم فهذا يدل على أن الأمة ميتة وكل ما يحدث من هجوم ومحاربة هذا أكبر دليل على صحوتها، وأذكر أن رابين يوم أن هنأ كارتر بنجاحه في الانتخابات الأمريكية قال: إن المارد الإسلامي بدأ يتململ، وكان نيكسون يقول "نحن نؤخر خروج المارد الإسلامي من القمقم". وقد عقد مؤتمر مؤخراً في الغرب حضرته النخبة الغربية والأوروبية وقالوا: إن الإسلام قادم إلى الغرب فماذا نحن فاعلون!! كل ذلك يؤكد ويدلل على أن العداء والهجوم الذي يكيلونه للإسلام والمسلمين في السنوات الأخيرة هو حقد وغيظ لنجاح الإسلامي وانتشاره، في بلادهم، وصدق الله العظيم: قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون 118 (آل عمران)، وقوله: ولن ترضى" عنك اليهود ولا النصارى" حتى" تتبع ملتهم (البقرة:120).